صيادو الأجر... كنوزٌ تنتظر من يلتقطها
صيادو الأجر... كنوزٌ تنتظر من يلتقطها
في زحمة الحياة اليومية، نمر بلحظات تحتاج إلى تدخل سريع ولمسة إنسانية قد تغيّر مجرى الأمور، لكنها لا تأتي من الجميع هناك فئة خاصة من الناس، نادرة بصفاتها، يقتنصون هذه الفرص دون تردد، ويمضون دون انتظار مقابل. هؤلاء هم "صيادو الأجر" قناصة الثواب الذين يتحسسون اللحظة المناسبة، يقتربون بهدوء، يتركون بصمتهم، ويرحلون، تاركين خلفهم أثرًا طيبًا في القلوب.
مشهد لا يُنسى
في أواخر عمر والده، وبينما كان يحاول مع إخوته إنزاله من السيارة ووضعه في كرسي متحرك أمام إحدى العيادات في جدة كان الموقف مليئًا بالحيرة والخوف من إيلام الوالد أثناء حمله فجأة، اقترب شاب رياضي، نظر إليهم برفق وقال: "هل يمكنني مساعدتكم؟"
لم ينتظر جوابًا مطولًا، طلب منهم أن يبتعدوا قليلًا، ثم تقدم بهدوء، حمل الوالد بسهولة رغم جسده الممتلئ، ووضعه في كرسيه بكل سلاسة. لم ينتظر الشكر، لم يُظهر فخرًا، بل مضى في طريقه وكأن شيئًا لم يكن.
تمر السنوات، وذاك المشهد لا يفارق ذهن الابن. يظل ذلك الشاب الغريب في دعائه، يتذكره عند كل موقف مشابه، لأنه لم يكن مجرد شخص عابر، بل كان صيادًا للخير، اقتنص فرصة الأجر ثم مضى.
صيادو الأجر... فلسفة حياة
هؤلاء الأشخاص ليسوا عاديين، بل يمتلكون حسًّا فريدًا يجعلهم يلاحظون الحاجة قبل أن يُطلب منهم المساعدة. تمامًا كما فعل نبي الله موسى عليه السلام عندما وصل إلى مدين، فوجد أمة من الناس يسقون، ولاحظ من بينهم امرأتين تقفان بعيدًا عن الجميع. لم يتدخل مباشرة، بل سأل ليكتمل لديه المشهد : "ما خطبكما؟"
وحين علم حاجتهما، سقى لهما دون أن يسأل عن مقابل، ثم انصرف تحت ظل شجرة، يناجي ربه، ويطلب منه الخير. وهنا تتجلى روح الصياد، الذي يرى الموقف، يحل المشكلة، ويترك الأثر الطيب خلفه دون أن ينتظر شيئًا.
الكنوز المنثورة في الحياة
الأجر لا يحتاج إلى تخطيط معقد أو موارد هائلة، بل إلى قلب واعٍ وعين متيقظة. ربما يكون في مساعدة مريض، تجهيز جنازة، توصيل محتاج، خدمة في المسجد، أو حتى كلمة طيبة تقال في وقتها. في كل مكان هناك فرصة عظيمة لمن يريد أن يصطاد الأجر.
في بلدةٍ ما، عُرف رجل بمساعدته للجميع، فهو في كل موقف حاضر، لا يتأخر عن الخير، ولا يطلب شكرًا. عندما ذُكر اسمه في أحد المجالس، نسي المتحدث اسمه الحقيقي، لكنه لم يحتج إليه، فاكتفى بوصفه : "هو ذاك الرجل الذي يحب الأجر!"
يا له من وصف عفوي، لكنه أدق ما يكون، فهو عنوان لشخص جعل خدمة الناس شغفًا، والبحث عن الأجر عادة يومية.
كن صيادًا... لا عابرًا
في كل يوم تمر أمامك عشرات الفرص لصيد الأجر، لكن القليل من الناس ينتبهون لها. قد تكون في موقف بسيط في الشارع، أو في خدمة صغيرة في المنزل، أو في مسجد، أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي. السؤال هنا: هل ستلتقط هذه الفرصة أم ستدعها تمر دون أن تترك أثرًا؟
عش بروح الصياد، كن متيقظًا للفرص، وابحث عن أبواب الخير في كل مكان... فالحياة مليئة بالكنوز التي تنتظر من يلتقطها!
والله المستعان
✍️ نقله بتصرف: عبدالله نيربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد