آخر المواضيع

    الخميس، 20 مارس 2025

    سوريا بين الشريعة والعلمانية قراءة في الإعلان الدستوري الجديد

     سوريا بين الشريعة والعلمانية قراءة في الإعلان الدستوري الجديد

    سوريا بين الشريعة والعلمانية قراءة في الإعلان الدستوري الجديد

     قراءة في الإعلان الدستوري الجديد


    أثار الإعلان الدستوري الذي أصدرته الإدارة السورية الجديدة جدلًا واسعًا، خاصة في الأوساط الإسلامية، حيث وُجهت إليه انتقادات تتعلق بعدم النص الصريح على تحكيم الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع. وبعد مراجعة مواد الإعلان، يتضح أنه عمل بشري قابل للنقد والتعديل، وفيه من القصور ما يستوجب التصحيح.


    بالفعل، هناك نقاط تستحق النقد، وهذا أمر طبيعي في أي عمل سياسي أو تشريعي بشري، فالكمال لله وحده. وعند النظر إلى النقد الإسلامي الموجه للإعلان، نجد أنه، من النظرة الأولى، يبدو نقدًا له ما يبرره. لكن عند التدقيق في الواقع السياسي والعسكري والإمكانيات المتاحة، نجد أن الأمر يحتاج إلى تحليل أعمق.


    إشكالية تحكيم الشريعة في الواقع السوري الحالي


    يرى البعض أن الإدارة الجديدة، ممثلة في أحمد الشرع ومن معه من قوى الثورة، تستطيع فرض تحكيم الشريعة فورًا، لكن السؤال الجوهري هنا : هل لديهم القدرة الفعلية على ذلك؟


    عند النظر إلى الواقع العسكري والسياسي، نجد أن القدرة على فرض التشريع الإسلامي بشكل كامل غير متوفرة حاليًا، وذلك لعدة أسباب جوهرية:


    التحديات العسكرية والأمنية


    - وجود قوى مسلحة معارضة للإدارة الجديدة، مثل إيران وميليشياتها وفلول نظام بشار والقوى الدرزية في الجنوب

    - الاحتلال الصهيوني الذي يفرض واقعًا عسكريًا حساسًا في الجنوب السوري.  

    - القواعد العسكرية الروسية والأمريكية والبريطانية التي لا تزال تعمل على فرض سياساتها في البلاد.  


    غياب القدرة الكاملة على الحكم


    - ضعف الإمكانيات العسكرية مقارنة بأعداء الثورة، حيث لا يمتلك الجيش الجديد أسلحة متطورة بحرًا وبرًا وجوًا.  

    - الوضع الاقتصادي المنهار، فالبنية التحتية مدمرة، وموارد الطاقة شحيحة، والبنك المركزي في وضع كارثي، والعملات السورية تعاني من انهيار مستمر.  

    - العداء الدولي الشديد للحكم الإسلامي في سوريا  

    - القوى الغربية، وخاصة الدول الصليبية، تبدي عداءً رهيبًا لأي نظام إسلامي في سوريا، وتعمل على إفشاله بأي وسيلة.  

    - الحكومات العربية العميلة تدعم القوى المناوئة للإدارة الجديدة، بهدف منع استقرار الحكم الإسلامي.


    القدرة والتمكين : المفهوم الشرعي والتطبيق الواقعي 


    هنا ينبغي العودة إلى المفاهيم الشرعية التي تحدد متى يكون تطبيق الشريعة واجبًا عمليًا، وليس مجرد مطلبًا نظريًا.


    القدرة في الشرع : يقول الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :  

    "الشريعة طافحة بأن الأفعال المأمور بها مشروطة بالاستطاعة والقدرة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: (صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب)."


    وهذا يدل على أن التطبيق الفوري للشريعة مرتبط بالقدرة، والإدارة الجديدة لا تملك القدرة الكافية بعد لفرض نظام إسلامي شامل دون منازع.


    التمكين في الشريعة : يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 41).  

    قال المفسر السعدي في تفسيره :  "المكّنون هم الذين ملكوا الأرض واستقروا فيها، بلا منازع أو معارض يمنعهم من إقامة شرع الله."


    والواقع الحالي في سوريا يؤكد أن المنازعين كُثر، سواء من القوى الداخلية أو من الاحتلالات الأجنبية، وكلهم يمتلكون قوة عسكرية تفوق الجيش الجديد، مما يجعل فرض الشريعة بالقوة أمرًا غير ممكن حاليًا.


    الحاجة إلى ثورة دعوية لإعداد الشعب للحكم الإسلامي


    المهمة الكبرى الآن لا تقتصر على تعديل الإعلان الدستوري بل على إعادة تشكيل وعي الشعب السوري، الذي تعرض لستين عامًا من التشويه الفكري تحت حكم البعث والعلمانية الاستبدادية


    يحتاج الشعب إلى حملة دعوية ضخمة لإعادة بناء مفاهيم الإسلام الصحيح ومحو آثار الفكر البعثي والعلماني

    يجب أن يكون هناك ثورة مساجد ودعوة قوية تصل إلى جميع السوريين لتجعلهم قوة دافعة لتطبيق الشريعة بدلاً من أن يكون فرضها قسرًا


    الفرق بين الحالة السورية والأفغانية


    البعض يقارن الحالة السورية بتجربة طالبان في أفغانستان، لكن هناك اختلافات جوهرية:  

    - أفغانستان تمتلك طبيعة جبلية حمتها من الاحتلال الكامل، بينما سوريا ذات تضاريس مفتوحة يسهل استهدافها عسكريًا.  

    - المجتمع الأفغاني لم يتأثر بالفكر العلماني كما حدث في سوريا، حيث لا تزال قطاعات كبيرة من السوريين متأثرة بأفكار القومية والليبرالية والعلمانية.  

    - طالبان لم تواجه عداءً داخليًا مسلحًا كما هو الحال في سوريا، حيث توجد عشرات القوى المعارضة للمشروع الإسلامي.


    نحو إعلان دستوري أكثر توافقًا مع الشريعة والواقع


    لا شك أن الإعلان الدستوري الحالي كان يمكن صياغته بشكل أفضل ليكون أكثر توافقًا مع الواقع الحالي ومع المبادئ الإسلامية، ولكن يجب أن نفهم أنه وثيقة مؤقتة وقابلة للتعديل. لذا، يجب العمل على:  

    - إدخال تعديلات على الإعلان الدستوري تضمن مرجعية الشريعة الإسلامية بشكل مرحلي.  

    - إطلاق مشاريع توعية ودعوة قوية لإعداد الشعب فكريًا لتقبل الحكم الإسلامي.  

    - عدم التسرع في فرض الشريعة بشكل كامل دون تهيئة الظروف المناسبة، حتى لا يؤدي ذلك إلى ردود فعل داخلية وخارجية عنيفة.


    الخاتمة

    لا يمكن إنكار أن الإعلان الدستوري كان يمكن تحسينه، لكن الواقع الحالي يفرض على الإدارة الجديدة التعامل بمرونة، بحيث يتم تحقيق أكبر قدر من الانسجام بين المبادئ الإسلامية والإمكانات الواقعية. والأهم من ذلك، أن المعركة الحقيقية ليست في النصوص القانونية فقط، بل في إعادة بناء وعي الشعب ليكون هو من يطالب بتطبيق الشريعة بنفسه.


    لذلك، فإن الدور الأكبر يقع على العلماء والدعاة والمثقفين، الذين يجب أن يقودوا ثورة وعي ودعوة، تمهد الطريق لحكم إسلامي مستقر قائم على قناعة الشعب وقوته الذاتية.


    اللهم انصر الإسلام والمسلمين في سوريا، ووفقهم لما فيه الخير والصلاح.


    إعداد وتحرير: عبدالله نيربي، استنادًا إلى مقال للكاتب ممدوح إسماعيل بتاريخ 15 مارس 2025


    هناك تعليق واحد:

    1. اخي بدي انشرع صفحتك ع التلغرام بس انت حاظرني بالغلط شكلك

      ردحذف

    اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد