أدونيس شاعرُ التناقضات وبوقُ الطائفية المقنَّعة
أدونيس شاعرُ التناقضات وبوقُ الطائفية المقنَّعة
في بلاد المنافي حيثُ تتساقطُ أوراقُ الشجر ولا يسمعُ إلا همسُ الريح ظلَّ أدونيس مختبئًا في أبراجِه العاجية يتأمَّلُ بعيونٍ باردةٍ مأساةَ وطنهِ الذي يُذبَح، مُفضِّلًا الصمتَ الفصيحَ على أن يُدنِّسَ فمَه بكلمةِ حقٍّ قد تزعجُ أصدقاءه في القصورِ المعتمة. أربعة عشرَ عامًا من القتلِ والدمارِ والتهجير، لم يجدْ فيها أدونيس سببًا كافيًا ليخدشَ صمتَه العميق. لم يكن الأطفالُ الممزَّقون في الحواري، ولا المدنُ المُحترقة، ولا المعتقلاتُ المكدَّسةُ بالأرواحِ سببًا يستدعي غضبَ الشاعر الكبير.
لكن، آهٍ من هذا الصمتِ الانتقائي! فجأةً، وبقدرةِ قادر، قرَّر أدونيس أن يتكلم. ليس حين كانت الجثثُ تُسحبُ من تحتِ الأنقاضِ، ولا حين كانت البراميلُ المتفجِّرةُ تُمطِرُ المدنَ كالموتِ النازلِ من السماءِ، بل حين تغيَّرَت المعادلةُ السياسيةُ، وحين صار المسلمون في الحكمِ. فجأةً، صارَ لديهِ الكثيرُ ليقولَهُ، والكثيرُ لينتقدَهُ، والمفارقةُ أنه لا ينتقدُ الاستبدادَ بحدِّ ذاتهِ، بل فقط حين لا يكونُ طاغيتُه المفضَّلُ هو المُمسِكُ بالزمام!
إنه لمن العجيبِ أن شاعِرَ الحداثةِ والفكرِ الحرِّ، الذي لطالما قدَّمَ لنا دروسًا في الفلسفةِ والتمردِ، لم يرَ في مذابحِ السنواتِ الماضيةِ شيئًا يُحرِّكُ مشاعرَهُ النبيلة. لكنه اليوم، حين باتَ في المشهدِ من يخالفُهُ مذهبًا، صارَ صوتهُ جهوريًّا كخطيبِ ساحةٍ يلعنُ الظلامَ بعد أن عاشَ عُمْرَهُ في أحضانِه
![]() |
ادونيس صمت ١٤ عام وحركته طائفيته ليتظاهر لاجل احداث الساحل |
الطائفيَّ لا يعترفُ بطائفيَّتِهِ
لم تكن ازدواجيتهُ مستغربة، فقد تعلَّمنا أن الطائفيَّ لا يعترفُ بطائفيَّتِهِ، بل يلبسُها عباءةَ الفيلسوفِ ويزخرفُها بمصطلحاتٍ ثقافيةٍ أنيقة. وحين يُحشَرُ في الزاوية، يتحدَّثُ عن الإنسانِ المجردِ والحريةِ المطلقة، والعقلِ النقديِّ، لكنه لا يملكُ الجرأةَ ليسمِّي القاتلَ باسمهِ حين يكونُ القاتلُ من "جماعته"
لقد سقطَ القناعُ، وتبيَّنَ أن أدونيس لم يكن إلا نسخةً ثقافيةً من الطغاةِ الذين صمتَ عنهم طويلًا. ليس أكثرَ من مثقَّفٍ يخلعُ جُبَّةَ الفقيهِ حين تكونُ الجبَّةُ على مقاسِ غيرهِ، ويخيطُها على هواهُ حين تلائمُ أهواءَهُ الضيقة
فلتبقَ يا أدونيسَ في أبراجِك، تقرأُ كتبَ الفلاسفةِ وتكتبُ المقالاتِ الغاضبةَ متى شئتَ، لكن لا تحاولْ بعدَ اليومَ أن تُقنعَ أحدًا بأنكَ الصوتُ الحرُّ، فقد عرفناكَ على حقيقتِكَ شاعرٌ يكرهُ الظلمَ حين لا يكونُ في مصلحتِه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد