آخر المواضيع

    الأربعاء، 5 فبراير 2025

    الكائن المسخ والشبيح والمثقف والكاهن

    الكائن المسخ والشبيح والمثقف والكاهن 

    الكائن المسخ والشبيح والمثقف والكاهن

    من قال ان العبودية انتهت..؟ فهي ابدا لم تنتهي


    فعبودية اليوم اقسى حتى من استعباد الرومان للاسرى ايام زمان ولكن الفرق ان عبيد اليوم يتطوعوا ليمارسوا دور العبودية مجانا باعتبارها مرضا يستوطن اعماقهم لايبرأون منه فهم كالعبد المسلوب الارادة الذي سنتحدث عنه في سياق سطورنا،فهذا العبد سيقتلك لو حاولت تحريره


    فالشبيح والمناصر ومثقف القلم الرخيص حين يتعصب لايرى ابعد من علامة الرضا عند سيده فهو يخرج من دائرة الاخلاق والعقل والمنطق والتاريخ فيصبح سيده هو الكون فلا يرى غير ملامح سيده فيتحول الى كائن مسخ لايملك ذاكرة ولا إحساس بالزمان والمكان


    فقد ترى هذا العبد المستعبد في شيخ منافق او في مثقف على باب السلطان او شبيحا يتباهى بجريمته التي تستحي من فعلها حتى اوطأ مراتب الحيوانات سلوكا وقد تجده بوقا للحاكم اوتجده اخوانيا لايرى غير الغنوشي الهاً او فلسطينيا لايرى في الكون الا اسماعيل هنية يبايعه على كل الموبقات حتى لو تجاوز حدود الله فقال ان قاسم سوليماني يصلي بالملائكة والانبياء او قومجيا يتطوع للدفاع عن مزبلة كل القوميين حتى لو اسسوا فيلق الحرس القومي يقتل السوريين تحت لواء فاطميين وحتى لو عقدوا مؤتمرهم القومي برفقة معن بشور في بيروت يفتتحونه بالوقوف دقيقة صمت على روح الخميني


    فيعمد العبيد الى التغزل بأسيادهم


    فيعمد العبيد الى التغزل بأسيادهم ويطلقون عليهم اوصافا جميلة لتزيين كل قبيح دفاعا عن الصنم الذي يعبدون لإضفاء صفة القدسية عليه حتى جعلوه اقرب الى تمثيل دور الاله جانوس عند الرومان الذي كان يحضى بقدسية خاصة واستثنائية لكسبِ الحروبِ ضد العدو الخارجي ولفضائله في معاقبة اي مواطن تسول له نفسه الخروج على اوامره باعتبار ان ذلك الفعل يعرض وجود روما للخطر وهكذا العبيد يصيبهم مرض الانكار فيرون كل من ينتقد سفالة سيدهم على انه عدو يهدد مصيرهم لان العبد لايرى لنفسه مكانا في هذا الكون بدون وجود سيده الصنم 


    يذكرني سلوك هؤلاء بحكاية مؤلمة قد تفوق مستوى تصور العقل البشري ولكنها حقيقة تصف حالة من ابشع حالات العذاب والعري الاخلاقي والانساني الذي يعيشه العبد الممسوخ جاءت في الرواية الخالدة التي كتبها الروائي -جنكيز إيتماتوف- بعنوان (ويطول اليوم أكثر من قرن) والتي يتحدث فيها عن قبائل (الجوان جوان) الذين احتلوا بعض مناطق السهوب في اسيا الوسطى ومنها كازاخزستان الحالية وكيف كانوا يعاملون أسرى الحرب معاملة فظيعة القساوة فيقول :


    ▪️أن قبائل (الجوان جوان) كانوا يقضون على ذاكرة العبد بعذاب فظيع، وهذا المصير كان يحل عادة بالصغار الذين يأسرونهم أثناء المعارك، فكانوا أولاً يحلقون لهم شعر رأسهم تماماً وينتزعون كل شعرة من جذرها


    فيتحول إلى إنسان مسلوب الإرادة


    وعندما تنتهي حلاقة الرأس يذبح الجوان الجوان جملاً قوياً وعندما يسلخون جلد الجمل كان أول ما يسلخونه هو جلد الرقبة الثقيل المتين ويقطعون هذا الجلد إلى قطع يلصقونها مباشرة وهي دافئة على رؤوس الأسرى المحلوقة بمرهم لاصق سريع بشكل يشبه غطاء رأس السباحين في الوقت الحاضر ومن يتعرض لهذه الطقوس إما يموت غير محتمل هذا العذاب أو يفقد ذاكرته مدى الحياة 


    فيتحول إلى إنسان مسلوب الإرادة – إلى عبد لا يذكر ماضيه وكانوا يضعون على رقبة كل محكوم طوق خشبي بشكل لا يسمح معه أن يلامس رأسه الأرض وهكذا كانوا ينقلونهم إلى مكان بعيد عن الناس كي لا يسمع الناس أصوات صراخهم الذي يقطع نياط القلب ويتركونهم في أرض مكشوفة مقيدي الأيدي والأرجل تحت وهج الشمس بلا ماء ولا طعام كان هذا العذاب يستمر بضعة أيام تحت حراسة دوريات مكثفة في مواقع معينة لمنع أبناء قبائل الأسرى من محاولة إنقاذهم 


    وهم ما يزالون على قيد الحياة إذا حاولوا لكن هذه المحاولات نادراً ما كانت تقع لأن أي حركة ترى ببساطة في السهب المنبسط كما ان الناس اصلا لا يحاولون إنقاذ الاسير وافتداءه لأن هذا يعني أن يعيدوا إليهم خيال الإنسان السابق وكانت أكثرية من يتركون في الأرض المكشوفة لهذا العذاب المرير يموتون تحت الشمس ،ولا يبقى حياً إلا واحدا من أصل خمسة أو ستة أولئك لم يموتوا من الجوع أو من العطش بل من العذاب اللا إنساني الذي لا يطاق والذي يسببه جلد الجمل غير المدبوغ الذي يطبق تحت أشعة الشمس ويضغط على الرأس وتضغط بلا رحمة على رأس العبد المحلوق وكأنها طوق حديدي 


    العبد الذي انتزعت منه الذاكرة عنوة


    وفي اليوم الثاني كان الشعر المحلوق يبدأ بالنمو ثانية فيطول هذا الشعر الآسيوي السبط القاسي منغرزاً في الجلد غير المدبوغ وفي أغلب الأحيان لايجد الشعر لنفسه منفذاً فينثني وتنغرز رؤوسه في جلد الرأس ثانية مسبباً آلاماً كبيرة هذا العذاب الأخير كان يترافق بتشوش العقل تماماً وفي اليوم الخامس كان يأتي الجوان جوان ليروا أن ظل أحد من الأسرى على قيد الحياة فإن وجدوا أحدهم حياً اعتبروا أن الهدف قد تحقق، فيسقونه ماء ويفكون قيوده ويعيدون إليه قوته تدريجياً ويوقفونه على رجليه


    وهذا الباقي حياً هو العبد الذي انتزعت منه الذاكرة عنوة ولذلك فهو قيم جداً حيث يساوي العبد المسلوب عشرة من العبيد الآخرين فالمسلوب لا يعرف من هو ما هي قبيلته ولا يعرف اسمه لا يذكر طفولته ولا أمه ولا أباه لا يعي وجوده كإنسان مسلوب القرار بكلمة واحدة يعتبر من وجهة نظر مالكيه ذا أفضلية كبيرة فهو مخلوق أبكم لذلك يكون مطيعاً تماماً وغير خطير لا يفكر أبداً بالهرب وأكثر ما يخافه مالك العبيد هو انتفاض العبد ففي كل عبد يوجد استثناء فريد من نوعه  إذ أن دوافع التمرد تظل كامنة داخله لكن المسلوب لا يعرف مثل هذه الأحاسيس لذلك لم تكن هناك ضرورة لحراسته ولا للشك في نواياه الخفية


    فالمسلوب كالكلب لا يتعرف إلا على صاحبه ولا يعاشر الغرباء كل همه إشباع جوعه ولا يعرف أية اهتمامات أخرى لكنه ينفذ العمل المكلف به بشكل عشوائي وبدأب ومثابرة كانوا يكلفون المسلوبين بتنفيذ أقذر الأعمال وأصعبها أو يشغلونهم بالأعمال الصعبة المملة التي تحتاج إلى قوة تحمل شديدة والمسلوب وحده كان قادراً على احتمال خلو السهب الكازاخي الموحش من الناس وهو وحيد ملازماً باستمرار قطعان الجمال والمسلوب الواحد كان يحل في مثل هذه الوحشة والانقطاع عن الناس محل عدد كبير من العاملين 


    أبشع أشكال البربرية تجرؤوا على جوهر الإنسان


    يكفي أن يزود بالطعام وعندها يمكن أن يبقى دون أدنى شك في عمله صيف شتاء لا تثقله الوحدة ولا يستاء من الحرمان أوامر صاحبه فوق كل شيء لا يطلب شيئاً إلا الطعام والثياب القديمة لتحميه من برد السهوب.....أن تقطع رأس الأسير أو أن تأذيه أية أذية بقصد إرهابه أهون بكثير من أن تسلب الإنسان ذاكرته وتدمر عقله وتقتلع جذور ما يفترض أن يظل معه حتى يلفظ آخر أنفاسه، وما يجب أن يظل ملكيته الوحيدة التي يأخذها معه ولا يطالها أحد غيره لكن الجوان الجوان الرحل الذين صوروا بتاريخهم المظلم أبشع أشكال البربرية تجرؤوا على جوهر الإنسان هذا لقد وجدوا طريقة ليسرقوا من العبيد ذاكرتهم الحية معرضين الطبيعة البشرية لوحشية ليس أقسى منها في كل ما يمكن تصوره وما لا يمكن تصوره


    ويمكن هنا ان نستعرض شيئا مما دونه الكاتب الانجليزي جورج أورويل حين قال أن جوهر الحقيقة يتعرض للتهديد وان مفهوم الحقيقة الموضوعية نفسه يتعرّض للاضمحلال في هذا العالم حيث ستتسرب الأكاذيب إلى التاريخ فإذا قال القائد عن أحداث حدثت بالفعل إنها لم تحدث قط فهي لم تحدث قط وإذا قال إن اثنين واثنين تساويان خمسة فإنهما تساويان خمسة


    ان اوريل في كتابه (الرواية) التي كتبه في عام 1948 قد تنبأ بما نعيشه اليوم حين قال «لن تكون قادرًا على أي شعور إنساني عادي بعد اليوم كل شيء سيكون ميتًا بداخلك لن تكون قادرًا على الحب اوالصداقة أو التمتع بالحياة أو الضحك،أو الفضول، أو الشجاعة،أو النزاهة.سوف تكون أجوف سوف نعصرك نفرغك ومن ثم سنملؤك بأنفسنا


    كل شيء سيكون ميتًا بداخلك


    ويضيف قائلا نحن لا نكتفي بالطاعة السلبية ولا حتى بتقديم الخضوع الكامل لنا فعندما تستسلم لنا في النهاية يجب أن تكون مستسلمًا طواعية وبإرادتك الحرة ونحن لا ندمر زنديقًا لأنه يقاومنا طالما أنه يقاومنا لن ندمره أبدًا بل نحن نحوله نلتقط عقله الداخلي نعيد تشكيله


    نحرق كل الشر وكل الوهم داخله نجذبه إلى صفوفنا ليس ظاهريا فقط لكن بصدق من القلب والروح نجعله واحدًا منا قبل أن نقتله فمن غير المقبول لنا أن تنتشر الأفكار الخاطئة في أي مكان في العالم مهما كانت سرية وقليلة الحيلة حتى في حالة الموت لا يمكننا السماح بأي انحراف نحن نجعل الدماغ كاملًا وصحيحًا قبل أن نفجره



    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق

    اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد