الثورة السورية اثبتت خيانة المثقفين وسقوط النخب
ظهور مايسمى عصر الجماهير
منذ فجر التاريخ وظهور انماط الحكم فقد احتاج الحكام الى طبقة الكهنة والسحرة لاقناع الأقنان بالخنوع والكدِّ لصالح الطبقة المالكة طمعا في خلاص روحاني وبعد ان حلت السياسة محل الدين وظهور العلمانية التي توجتها الثورة الفرنسية فقد ظهر مايطلق عليه عصر الجماهير
وادرك الساسة ان نضال الجماهير هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع ان يهددها اي شيء وهي القوة الوحيدة التي تتزايد هيبتها وجاذبيتها باستمرار ومن هنا ظهرت الحاجة الى ترويض العقول وصارت الدعاية ركنا من اركان قوة الدولة وهكذا تم توظيف المثقفين ليلعبوا نفس دور السحرة والمشعوذين من علماء السوء وفقهاء السلاطين
فكان المثقف هو الذي يتولى عمليات البهرجة والتلميع ويقود عمليات التهريج لافساد العقول وتسطيح الوعي وصار المثقف كالممثلين في مسرح العرائس او كما الغجر الجوالين مهمتهم الترويح على الناس مع فارق اساسي هو ان الغجر حتى برقصاتهم الفولكلورية يحافظون على التقاليد والتراث وعندهم ثوابت بينما المثقفين لايعرفون تقاليدا ولا حياءاً ولايملكون ثوابت ولا دين
اصبح مثقفي الامه متسولين على اعتاب السلطة
بعد ثورة الشام صرت على يقين انه لايوجد في الأمة مثقفين ولكنهم مجرد جوق من المنشدين لايتعدى دورهم وظيفة الغجرية التي تحيي مناسبات الاعراس في القرى الأهم انهم خرجوا من التاريخ وصاروا عاراً على البشرية تلاحقهم اللعنة وبسببهم صارت مفردة الثقافة شتيمة لانها صارت مرادفة للعهر والرذيلة والنفاق
لأنهم ليسوا أصحاب رسالة بل هم طبقة طفيلية ترتزق على الموائد كما يفعل شاعر الربابة يمدح من يدفع له وتعيدني سفالتهم الى استحضار ماكتبه اوريل في كتابه الرواية التي كتبها في عام 1948 حين تنبأ بما نعيشه اليوم حين قال لن تكون قادرًا على أي شعور إنساني عادي بعد اليوم كل شيء سيكون ميتًا بداخلك لن تكون قادرًا على الحب أو الصداقة أو التمتع بالحياة أو الضحك أو الفضول أو الشجاعة أو النزاهة سوف تكون أجوف سوف نعصرك نفرغك ومن ثم سنملؤك بأنفسنا
ويضيف قائلا وهو يتحدث على لسان الطغاة نحن لا نكتفي بالطاعة السلبية ولا حتى بتقديم الخضوع الكامل لناعندما تستسلم لنا في النهاية يجب أن تكون مستسلمًا طواعية وبإرادتك الحرة ونحن لا ندمر زنديقًا لأنه يقاومنا طالما أنه يقاومنا لن ندمره أبدًا نحن نحوله نلتقط عقله الداخلي نعيد تشكيله نحرق كل الشر وكل الوهم داخله نجذبه إلى صفوفنا
السلطة توظف المثقفين لتحقيق اهدافها
ليس ظاهريا فقط لكن بصدق من القلب والروح نجعله واحدًا منا قبل أن نقتله فمن غير المقبول لنا أن تنتشر الأفكار الخاطئة في أي مكان في العالم مهما كانت سرية وقليلة الحيلة حتى في حالة الموت لا يمكننا السماح بأي انحراف نحن نجعل الدماغ كاملًا وصحيحًا قبل أن نفجره ولكي يتمكن الطغاة من استكمال السيطرة فقد كانوا بحاجة الى مثقف والى واعظ السلطان
وهكذا عمدت الحكومات الى تعزيز سلطانها من خلال توظيف المثقفين لتنفيذ اهدافها فهي لا تطلب منهم ان يتبوأوا مراكز قيادية بل ان يعززوا سياسات الحكومة ويطلقوا الدعاية ضد الخصوم الرسميين وان يقوموا باطلاق عبارات لطيفة على اشياء بغيضة،وعلى نحو اوسع ان يقوموا بانشاء منظومة لغوية تعمل على حجب حقيقة ما يحدث باسم الحفاظ على مصلحة الحكومات والشركات تحت عناوين الوطنية والديمقراطية والقانون او الكرامة القومية
وغير ذلك من مفردات الخطاب الديماغوجي المستهلك وهكذا يصدق فيهم قول الكاتب البريطاني (صموئيل جونسون) الذي اطلق صرخته في القرن الثامن عشر عندما صرح ان الوطنية هي الملاذ الأخير لكل نذل وبعده بسنين استشعر فلاديمير لينين عهر اهل الثقافة فقال عبارته الشهيرة المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها
خيانة المثقفين وسقوط النخب
كلما قرأت معلقات شبيحة القلم الرخيص من قطيع المثقفين عن نظرية المؤامرة وهم يخوضون في دماء الشهداء ويزايدون على فجيعة الفقراء فاني استذكر الفيلسوف "جان پول سارتر"الذي إنضم إلى المتظاهرين يرمي الشرطة بالحجارة إبان الاضطرابات الطلابية والعمالية التي اجتاحت فرنسا في أيار 1968 ...!!
ودوستويفسكي الذي أصدرت السلطة قراراً باعدامه رمياً بالرصاص وكادت طلقات الحرس أن تمزّق رأسه وجسده لولا قرار سريع ومفاجئ بتبديل الحكم بالنفي لسهوب سيبيريا الجليدية القاحلة عبر مسيرة حاشدة بالآلام وليعمل هناك مع جموع من السجناء من ذوي الأحكام القاسية الثقيلة ومع العبيد لسنوات في أعمال السخرة من الحفر ونقل الحجارة ورصف الطرق بلقيمات تكاد تسد وتسكت غائلة الجوع
الكاتب الكبير الغامض صاحب (الجريمة والعقاب) و (الأخوة كرامازوف) كان يريد ويسعى ويحلم بإصلاح المجتمع فقهروه بليالي سيبيريا المضيئة بالثلج لإصلاح ما رأوه أعوجاجاً فيه، فتحمل ما تحمل بصبر نبيّ وإرادة سحرية عنيدة ومع مشاهد الموت وقد بدت له مألوفة في هذا المكان
ادعياء الثقافة اصبحوا مجرد صفاقة
وكانت النتيجة ثمرات كاوية موجعة من الوصف الإنساني.. أهداها لتتملاها البشرية المقبلة في كل أرض الدنيا وهذا غوركي عمل حمالاً وحارساً وكادحاً في حصاد القمح كل ذلك تحمله، ولكن ما لن ينساه سنيّ أكتوائه فرّاناً في وهج النار ولساعات طويلة غوركي يشعر أبداً وكأنه هو المسؤول عما يقع للآخرين من ظلم، فيسعى لدفع الظلم ولو احتجاجاً وإدانة وكتابة
أما عندنا فقد تحول أدعياء الثقافة الى مجرد صفـّاقة من المنافقين لم أجد لهم وصفا إلاّ ماقاله الفيلسوف الفرنسي "ايف شارل زاركا " في كتابه الذي حمل عنوان عزل المثقفين:
بعد ان فقد الثوريون سلطتهم الاخلاقية لم يعد المثقف الثوري الآن سوى بهلوان ، يحافظ على وجوده في وسائل الإعلام في عداد الباحثين عن الاستعراض كالممثلين والراقصين وغيرهم،وأن مثل هذا المنطق من البحث عن النجومية حوّل الثوريين إلى دمى صغيرة في مسرح العرائس
المثقف الان اصبح كالمومس العمياء
نعم انهم مثل المومس العمياء التي امتد بها العمر ففقدت بصرها بعد أن فقدت الحياء في وصف يعبر عن مشهد العري الأخلاقي المومس العمياء إحدى أطول قصائد الشاعر بدر شاكر السياب كتبها عام 1954 وهي تعرض قصة مومس امتد بها العمر فأصبحت عمياء غير مرغوب فيها تعرض مشاهد من البؤس البشري والعري الأخلاقي
هشام بن الحكم ✍️
الآلاف في مدينة حلب يحتفلون فرحا بالإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة pic.twitter.com/1WOOi2osmN
— زينو ياسر محاميد (@ZynwM79922) January 15, 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد