مخاطر الدولة الكردية!
مضى مائة وثلاثة سنوات على توقيع اتفاقية سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا، التي اقتسمت بينهما فيها تلك الدولتان الولايات العربية التابعة للدولة الخلافة العثمانية، وأقتطعا منها باتفاق مع دول الغرب جزء من فلسطين التاريخية، أعني هنا جزء من فلسطين التاريخية، رداً على الذين يطلقون مصطلح فلسطين التاريخية على الحدود الحالية لـ(فلسطين سايكس – بيكو أو فلسطين الانتدابية)، وهم يجهلون أن هذه الحدود هي في زعم اليهود الصهاينة أنها حدود دولة دواود وسليمان، أول دولة أقيمت فيها في التاريخ، وأنهم أول شعب سكنها في التاريخ، وأنشأ فيها حضارة وعلم العالم المدنية و...، لأن حدود فلسطين التاريخية طوال مراحل التاريخ منذ أن أطلقت الدولة الفارسية اسم فلسطين على أحد ولاياتها في القرن الرابع قبل الميلاد أوسع أضعاف من فلسطين التاريخية اليهودية المزعومة!
مضى مائة وثلاثة سنوات على تلك الاتفاقية المؤامرة، التي قسمت وطننا وأمتنا إلى مقاطعات صنعت منها دولاً مستقلة ظاهراً محتلة وتدين بالتبعية لهذا الغرب أو ذاك، كما مضى سبعة عقود على أول إعلان يهودي صهيوني لمزيد من التفتيت لولايات سايكس – بيكو، عندما أعلن دافيد بن غوريون رئيس وزراء العدو الصهيوني في خمسينيات القرن الماضي عن ضرورة تقسيم بعض تلك الولايات، وحاجته لعميل موالٍ لهم يؤمن حدود كيانهم الغاصب لفلسطيننا من جهة الشمال، ويقيم في جنوبه كنتوناً موالياً لهم!
وبعدها توالى الإعلان في تصريحات وكتب وخطط عن مخططات مزيد من تجزئة المجزء وتفتيت المفتت، من بريجينسكي مستشار الأمن القومي لرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي بدأ الإعلان عن ذلك منذ عام 1978 وأصدر كتاباً بذلك ضمنه مخططات قدمها لمجلس الأمن القومي الأمريكي الذي تولى رئاسته فترة من الزمن، تلاها مخططات اليهودي الأمريكي أمنون أدينون في مخططه الذي نشره في جريدة اليهودية في نيويورك عام 1982، وهو الذي ينفذ الآن مع تعديلات بحسب ما تسمح بع الظروف، ثم عودة بريجنينسكي لإصدار كتاب ووضع خطط جديدة لتقسيم المقسم عام 1992، وتبعه الرئيس نيكسون في كتاب آخر، وكل يوم وساعة يعلن أعداء الأمة عن مخططات تقسيم المقسم وتفتيت الولايات الحالية لمزيد من المقاطعات والمحافظات التي تأتمر بأمر العدو الصهيوني والغرب، وتغيير النظام الإقليمي وإعادة إنشاء نظام شرق أوسطي جديد، يمتاز بالتجزئة ونظام فوق قومي، يديره ويتحكم فيه العدو الصهيوني كما في كتاب شيمون بيريز (الشرق الأوسط الجديد)!
على الرغم من كل ما حدث ويحدث في خراب لولايات وطننا بأيدينا وأموالنا ودمائنا وعذاباتنا، كل ذلك لينعم العدو الصهيوني والغرب وشعوبه بالأمن والأمان، ويتنعموا بثرواتنا وخيرات أوطاننا، مازلت تحكم أدعياء الثقافة والفكر لدينا مصالحهم الأيديولوجية والحزبية، ولم يرتقوا ويسموا على تلك المصالح التي وثرتنا النكبات، ويتجلى ذلك في الموقف بين المؤيد والمعارض لإقامة دولة كردية، والتدخل التركي لمنع ذلك!
مخاطر إقامة دولة كردية
دولة كردية موالية للصهيوني والغرب ستقام على جزء كبير من إيران والعراق وسوريا وتركيا، ستمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى أواسط آسيا ...
الدولة الكردية ستقوم بدور وظيفي، فإن كان كيان العدو الصهيوني في فلسطيننا فصل شرق الوطن عن غربه، فإن الدولة الكردية ستفصل شماله عن جنوبه ...
الدولة الكردية ستتمكن من الهيمنة على أكبر مسافة جغرافية لطريق الحرير التجاري الجنوبي الذي يربط شرق أسيا والصين بالبحر المتوسط، وبدأت تعود له الحيوية والنشاط التجاري من جديد ...
الدولة الكردية ستمثل أكبر مركز تجسس ومراقبة وتهديد للدول الواقعة شمالها (الدول الإسلامية في وسط آسيا) أذربيجان وتركيا، والواقعة جنوبها بدء من سوريا مروراً بالعراق وإيران انتهاء بأطراف الصين ...
أضف إلى ذلك أنها ستمتلك الجزء الأكبر من ثروات تلك الدول التي ستقام على حساب وحدتها وإقتطاع مساحات جغرافية كبيرة منها ...
لذلك كل الدول المعارضة لتركيا الآن ستكون الخاسر الول في حال قيام دولة كردية، وسيكون الرابح الأكبر هو العدو المركزي للأمة (العدو الصهيوني)، وأمريكا والغرب كله ...
سؤال يتبادر لاذهان البعض :
اليس للاكراد حق ان يكون لهم دولة مثل قطر والكويت وجزر القمر وهم قومية قائمة بذاتها- المشكلة في النظرة العنصرية والتي ستفرز ألف مشكلة على غرار الاكراد في كل دولة
اﻹجابة :
من حيث المبدأ عن نفسي مع وحدة الأمة والوطن أعراقا وطوائف ومذاهب وجغرافية، وضد أقطار وحدود سايكس – بيكو، وضد أي تفتيت لتلك الحدود لأي سبب كان.
ليس أن الغرب صنع من بعض الإمارات دول أصبح من حق الأقليات أن تكون لها دول قومية مثل الدول القائمة، علما أن تلك الدول بالمفهوم الغربي للدولة القومية كان يجب أن تكون كلها دولة واحدة وليس اثنا وعشرون دولة!
بعد أن مضى تاريخ طويل على مؤامرة التقسيم للوطن جغرافيا وسكان، وتبين لنا هدف الغرب والعدو الصهيوني من ذلك، وها نحن نعيش واقعا أمر مما مضى ونحن نتسابق لتنفيذ مخططاتهم الجديدة لمزيد من التفتيت للوطن خدمة لمصالحه وضد مصلحتنا نحن، كان علينا أن نتعلم من التجربة الماضية ونرد على تلك المخططات بالتوجه نحو الوحدة في عصر الاتحاد الأوروبي وعولمة العالم سكانا وجغرافية ونشر وسيادة قيم الغرب والحضارة التوراتية النصرانية (الإغريقي الرومانية)، لا أن نستجيب لتنفيذ تلك المخططات ضد أمتنا ووطننا بأيدينا ودمائنا وأموال وخراب أوطاننا!
الخروج من فخاخ وشراك تفتيت الغرب لبعض القوميات اﻹسلامية على عدة أقطار وتحويلها إلى أقليات وقنابل موقوتة يفجرها متى أراد كما هو الحال اﻵن، هو:
أن نتوحد كأبناء أمة واحدة وشركاء في الوطن لرفض الظلم الواقع علينا جميعا فالجميع عند الحاكم المستبد والطاغية سواء، وعلى نهج فرعون، والرومان: جعلوا أهلها شيعا يستضعف بعضها ضد بعض حسب مصلحته وما يحفظ له حكمه، لا أن ندعو لمزيد من التقسيم ونحن نعلم أننا ننفذ مزيد من مخططات عدونا لتمزيقنا وإضعافنا بأيدينا، ليستمر في هيمنته علينا ونهب ثرواتنا، وتترفه بها شعوبه على حساب شقائنا!
ولا ننسى أن الحكومات العراقية عملت جهدها طوال عقود إيجاد حل لمطالبهم القومية مع الحفاظ على وحدة العراق جغرافيا، وأنهم منحوهم حكما ذاتيا موسعا ويمارسون فيه حياتهم القومية بكل حرية، لغة وثقافة وتراث وأعياد و…، ولكنهم تمردوا بتحريض صهيوني غربي …
ولا ننسى التاريخ الطويل للأكراد ونشأة معارضتهم بأيدي يهودية وتحريض يهودي وذلك لم يخفى على أحد، وأصبحوا الآن لا يخجلون من تحالفهم مع كيان العدو الصهيوني والتلويح بعلمه ورفعه إلى جانب علمهم، في مناسبة وغير مناسبة، ويجاهرون بتحالفهم مع كيان العدو الصهيوني، ويفتخرون بعمق ذلك التحالف وتاريخه والدعم الذي قدمه لهم، في وقت مازالت تلك الأنظمة التي عنيتها على الرغم من عمق علاقتها بالعدو الصهيوني مثل الأكراد لم يبلغ بها الأمر ما بلغ باﻷكراد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد