عندما انطلقت الثورة السورية في بداياتها، كان الجميع مقتنعاً بأن سقوط نظام الأسد مسألة وقت لا أكثر، إذ امتلأت الشوارع بالهتافات المطالبة بالحرية والكرامة، واعتقد الناس أن التغيير بات قريباً. لكن الأمور لم تمضِ كما تمنوا، فقد حال دون ذلك التدخل الخارجي الواسع، حيث دخلت روسيا وإيران إلى جانب النظام بكل قوتهما، وساندتهما المليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية، ثم انضمت لاحقاً مليشيات أفغانية وقنديلية مثل حزب pkk الكردي الإرهابي وأذنابه، مما أدى إلى تعقيد الأوضاع على الأرض.
ثم جاءت تدخلات أخرى مثل "عملاء الموك" الذين سعوا لفرض أجنداتهم الخاصة وتوجيه الثورة بما يتناسب مع مصالحهم. ورغم كل هذه العقبات والتدخلات، بقي الشعب السوري متمسكاً بثورته، محافظاً على تماسكه، مؤمناً بأن النصر هو نهاية هذا الطريق الطويل.رغم كل هذه التحديات والأخطار، ورغم الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب السوري، بقيت روح الثورة متقدة، وظلت فكرة النضال من أجل الحرية والكرامة حية في وجدان السوريين. إن إرادة الشعب السوري التي لم تنكسر، وإصراره على التمسك بمبادئه رغم كل الصعاب، تجعل من فكرة النصر أملاً حقيقياً وهدفاً قابلاً للتحقق. الثورة ليست مجرد حدث عابر في تاريخ سوريا، بل هي رمزٌ لإرادة شعبٍ يرفض الذل والاستبداد، ويؤمن بأن النصر، مهما طال الزمن، هو النهاية الحتمية لمن يسعى للحرية والعدالة.
إن العقبة الكأداء أمام ثورتنا مازالت تنظيمية - مؤسساتية في المقام الأول ولم تتمكن من تجاوزها ؛ فلم تقم بمأسٓسَة النشاطات المغذية لها حتى انتابتها الأمراض وحالة من الانحسار الجزئي الذي لايمكن تجاهله كما العديد من الانحرافات والمنعرجات التي لايقوى على إصلاحها سوى التنظيم والعمل المؤسَسَاتي مهما ركزنا على الجانب الأخلاقي والمثاليات الثورية .
لقد نجحت الثورة في الهدم الثوري لأغلب سلطات الأسد منذ أشهرها الأولى ؛ غير أن النجاح لم يحالفها حتى اليوم في بناء المؤسسات الثورية التي لاتنتصر الثورة دونها مهما فعلنا وقدمنا من تضحيات وألقينا من خطابات حماسية تلهب مشاعرنا ومهما ادعينا تمتعنا بالوعي الثوري كون هذا الوعي لايتجسد عملياً إلا بالتنظيم عبر انضمام السوريين الأحرار للتنظيمات الوطنية - الثورية بشتى مسمياتها وعناوينها التي والبعيدة كل البعد عن العنصرية والطائفية والمذهبية والمناطقية والأيديولوجيات المفرقة .
ففي القرنين الماضيين تمكنت العديد من شعوب العالم من خلال استعدادها وجهوزيتها التنظيمية من اقتناص اللحظة التاريخية المناسبة في تحقيق أهدافها سواء عبر طرد الاحتلالات الأجنبية من بلدانها وتحقيق استقلالها الوطني ، أو اسقاط أنظمة سياسية استبداديةً كانت تراها عقبةً أمام حركة التقدم الوطني وشيدت أنظمتها الديموقراطية ؛ ومن هذه الشعوب شعب سورية المجاهد الذي كانت له جهوزية تنظيمية تمثلت بالكتلة الوطنية عندما تحررت سورية من الاحتلال الفرنسي البغيض ، وقس على ذلك العديد من الشعوب .
علينا جميعاً الابتعاد عن خطاب التمنيات المنتشرة هذه الأيام خاصة من مدعي معرفة مايجري تحت الطاولة كذباًً ، من حيث اقتراب توجه هذه الدولة أو تلك لنصرة لشعبنا وثورتنا أو أن الحل النهائي أصبح على الأبواب ؛ الأمر الذي بات يحتم علينا كأهل ثورة التوجه الإسعافي نحو بناء التنظيمات الثورية بكافة اختصاصاتها خاصة في ظل التحولات والتشجنات الحالية والحروب الاقليمية والدولية سواء المباشرة أو بالوكالة على الصعيدين الاقليمي والدولي . كما علينا إدراك أن أي حل دولي قادم لقضيتنا السورية لن يكون لصالح تحقيق أهداف ثورتنا إطلاقاً مالم نكن في حالة جهوزية تنظيمية تامة ، وإلا ستذهب جميع تضحيات شعبنا سدىً وهي الحقيقة التي يجب أن نصارح بها الأحرار دون خوفٍ أو وجل .
وعليه فإن الجهوزية التنظيمية - ومايسمى بالشرط الذاتي - اليوم وقبل الانتصار النهائي للثورة هي البرهان الملموس والمحسوس على حسن إدارة سورية الجديدة بعد تحريرها ، وأن الشعب القادر على بناء مؤسسات الثورة اليوم هو الشعب الذي سيبني مؤسسات دولة الغد ولن نقنع شعبنا والعالم أجمع إلا بهذا حتى ننال دعمه ونكسب تعاطفه معنا ،
ولقد كان الخزان الشعبي المليوني الثائر ومن خلال نشاطاته المتنوعة وفِي المقدمة منها تظاهراته الشعبية قد برهن على أنه الأكثر تضحية والأطول نفساً ووعياً وصبراً ممن تدعي أنها نخب ، حيث مازال هذا الخزان للعام الثاني عشر على التوالي بانتظار توجه هذه النخب نحو بناء التنظيمات لملايينه المنتشرة داخل سورية وخارجها كونها هي مهمتها الأولى في ثورة شعبية تستهدف التحرير الوطني .
مازال العطب الأساسي في ثورتنا عطباً بنيوياً ؛ ولانصر لنا دون إصلاح هذا العطب ؛ وإذا كان الهدم الثوري لسلطات الأسد حال اندلاع ثورة عام ٢٠١١ قد مثل التحدي الأصغر أمام السوريين الأحرار فإن البناء الثوري يمثل التحدي الأكبر الذي مازال ماثلاً أمامهم اليوم .
علينا أن نبرهن القوى الاقليمية والدولية أن شعب سورية الحضاري شعب قادر على إدارة شؤون الحكم في العهد الجديد لسورية إذا لم يبرهن على قدرته التنظيمية اليوم ، وأن نثبت أيضاً أن بلدنا لن يكون مأوىً للتطرف والارهاب أو الانفصال ؛ أو مصدر تهديد لدول الجوار .
وفِي الختام : طالما كانت الحالة السورية لم تثبت على حال حتى اليوم نظراً لكثرة الفاعلين فيها وحيث مابرحت حالة قابلة للعديد من السيناريوهات والاحتمالات .
وهنا أٓلا يحق لنا طرح السؤال الأتي على الأحرار :
ماذا لو تحسنت المواقف الاقليمية والدولية تجاه ثورتنا أو تفككت روسيا أو ايران . ماذا أعددنا وأين جهوزيتنا التنظيمية كأهل ثورة حتى ينظر العالم إلينا باحترام وتكون الثورة على الطاولة المستديرة مع الفاعلين الآخرين وليس في الزاوية خاصة في ظل التحولات الجارية في منطقتنا اليوم في الوقت الراهن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد